Monday 30 March 2015

Heart of darkness Arabic translation


من ملتقى نهر التايمز بالبحر تبدأ رحلة مجموعة من الرجال نحو قلب إفريقيا- الكونغو.. بطل الرواية يدعى مارلو وهو الذي يقودنا الى أكثر القصص رعباً، رعب يبدأ من السطور الأولى للرواية ويستمر معها حتى النهاية.. حكايات يرويها مارلو وهو على متن المركب(نيللي) المتجه من لندن الى حيث يعم الظلام في الكونغو.. يسير بطل كونراد حيث تقوده رغبته وحلمه الذي عاش معه في طفولته حينما أشار بأصبعه على الخارطة وقرر عندما يكبر أن يمضي الى المكان الذي أشار إليه وهو الكونغو، وها هو يصبح رباناً لأحد الزوارق التابع لشركة من أهدافها بناء امبراطورية وراء البحار لجني الملايين من الدولارات بطرق غير مشروعة.
من خلال حكايات مارلو يعري جوزيف كونراد أولئك المستعمرين ويكشف لنا عن أن قوتهم ما هي إلا نتيجة عرضية لضعف الآخرين.. يصف مارلو العمل على الزورق الذي أبحر عليه بالمواجهة الخطرة حيث الشاطئ الغامض الذي لا شكل له، والسفن الحربية حيث تدور المعارك، وأصوات المدافع والقنابل، واللهب والدخان، والرجال المستعبدين الذين رآهم وهو في طريقه لاستلام وظيفته.. أولئك الرجال المقيدون بالسلاسل المأمورون بالعمل الشاق، الذين يشبهون الأشباح من شدة نحولهم.. ثم الجو الحار حيث ضجيج العمال هناك، في تلك الأجواء عمل مارلو، في مهنة لا تخلو من المتاعب، بل هي في قلب المتاعب.. وفي واحدة من تلك المصاعب يسير مارلو مع ستين رجلاً قبل أن يصل المحطة التي ستأخذه الى وظيفته،صعوداً ونزولاً لمسافة تقدر بمائتي ميل وشبكة من الممرات التي لا تنتهي، على أرض خالية وتلال حجرية وعزلة تامة، مروراً بقرى هجرها سكانها، وحيث الوحول والجثث الملقاة هنا وهناك، والرجال البيض الذين جاءوا ليكسبوا أكبر قدر من المال عن طريق الاستحواذ على خيرات البلد وهم يحملون هراواتهم ومستعدون للقتل من أجل أهدافهم غير النبيلة.
أما مدير الشركة فهو رجل جامد الملامح ذو نظرات كحد الفأس، عمل منذ شبابه في هذه المنطقة، مظهره لم يكن يوحي بحب أو باحترام بل بعدم ارتياح، ولم تكن لديه ملكة التنظيم- كما عند كورتز المسؤول عن محطة تجارة العاج والذي يوصف بأنه رجل من الطراز الأول- وقد استقبل مارلو بالقول : إن الوضع سيء جداً.
سنعرف في سياق الحكايات التي يرويها مارلو بأن حقائق الحياة تضيع في هذه البقعة من العالم، ولا تعامل بما تستحقه إنسانيتك، المهم كم من الجهد تبذل لإرضاء مرؤوسيك الذين لا يقف جشعهم عند حد، في جو تسوده النميمة والتآمر والحقد.. الى تلك البقعة وصل مارلو لكن الزورق الذي من المفترض أن يعمل عليه كان قد غرق قبل وصوله ويحتاج الى عدة أشهر من العمل لإصلاحه.. وبين إصلاح الزورق وبدء العمل يلقي كونراد المزيد من الضوء على العلاقات السائدة، خصوصاً تلك التي تربط بين(السادة)و(العبيد) وكذلك الأجواء التآمرية من أجل الحصول على أكبر قدر من العاج الذي ينتزعونه بالقوة من الأهالي، والمنافسات غير الشريفة التي كثيراً ما تؤدي الى القتل.
تلك الحكايات المتصلة كان مارلو يقصها على مستمعيه وهم على ظهر المركب(نيللي) دون أن يكون لهم صدى في سير الأحداث، إنصات تام دونما مشاركة، كما لو أنه يحكي لنفسه، أو أنهم مفتونون بما يسمعونه الى الحد الذي يجعلهم لا يبادرون لمقاطعته.. بل حتى الراوي الغامض الذي يحكي عن مارلو، هو الآخر لا يتدخل إلا حين يتوقف مارلو عن الكلام أو يوضح حركة ما قام بها مارلو قبل أن يتابع حكاياته..ربما مرة أو مرتين قال أحدهم جملة عابرة لم تعلق في الذهن بعد زمن طويل من سرد إحدى الحكايات الغارقة بسكون الحياة وقسوتها.
حكايات مارلو تمتد وتتشعب وتذهب الى عمق الظلام والى الإرث الملعون والى الحياة البدائية التي تشبه حياة ما قبل التاريخ، هو وحده من يقود دفة الكلام حتى لتنسى أن هناك مستمعين على ظهر المركب.. إنها رحلة شقاء متواصل تلك التي أخذنا إليها جوزيف كونراد، رحلة عذابات في زمن البحث عن الثروات واستعباد البشر، رحلة ظلامية يخلخل اختصارها ذاك الاتساع في الرؤية التي أرادها المؤلف لقرائه، ولذلك لا يغني هذا العرض السريع عن اقتناء الرواية وقراءتها لاكتشاف قدرة الكاتب على الغوص في عمق المجهول في تلك المنطقة من العالم.
إن(قلب الظلام) رواية لم تفقد سحرها برغم عشرات السنين التي مرت على نشرها، كما لو أنها كتبت بالأمس القريب، إنها رواية التيه الى أقصى حدود الخطر لمستكشف مدّ يده يدعوك لمغامرة فيها من الخوف قدر ما فيها من متعة اكتشاف ذاك الزمن الغامض الممدود الى ما لا نهاية، في بقعة مجهولة من العالم تعيش عزلة قاتلة وحرباً قذرة ضد أبناء الأرض الذين تحولوا الى عبيد خشية







4 comments: